الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن تَبْطُلُ بِالنُّطْقِ بِحَرْفَيْنِ، أَوْ حَرْفٍ مُفْهِمٍ وَكَذَا مَدَّةٌ بَعْدَ حَرْفٍ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ، أَنَّ التَّنَحْنُحَ، وَالضَّحِكَ، وَالْبُكَاءَ، وَالْأَنِينَ، وَالنَّفْخَ إنْ ظَهَرَ بِهِ حَرْفَانِ بَطَلَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُعْذَرُ فِي يَسِيرِ الْكَلَامِ إنْ سَبَقَ لِسَانُهُ أَوْ نَسِيَ الصَّلَاةَ، أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ إنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ، لَا كَثِيرِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي التَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ لِلْغَلَبَةِ وَتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ، لَا الْجَهْرِ فِي الْأَصَحِّ.
الشرحُ (فَصْلٌ) تَبْطُلُ الصَّلَاةُ (بِالنُّطْقِ) بِكَلَامِ الْبَشَرِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَبِغَيْرِهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي (بِحَرْفَيْنِ) أَفْهَمَا كَقُمْ وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَقَوْلِهِ: لَا تَقُمْ أَوْ اُقْعُدْ أَمْ لَا كَعَنْ وَمِنْ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ (كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) الْبَقَرَةُ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ) . وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ (: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْت لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْت: وَاثُكْلَ أُمَّاهُ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونِي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ) وَالْحَرْفَانِ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْكَلَامُ حَرْفَانِ لِلِابْتِدَاءِ وَالْوَقْفِ، وَتَخْصِيصُهُ بِالْمُفْهِمِ فَقَطْ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ لِلنُّحَاةِ (أَوْ حَرْفٍ مُفْهِمٍ) نَحْوِ " قِ " مِنْ الْوِقَايَةِ وَ " عِ " مِنْ الْوَعْيِ وَ " فِ " مِنْ الْوَفَاءِ وَ " شِ " مِنْ الْوَشْيِ (وَكَذَا مَدَّةٌ بَعْدَ حَرْفٍ فِي الْأَصَحِّ)، وَإِنْ لَمْ يُفْهِمْ نَحْوُ " آ " وَالْمَدُّ أَلِفٌ أَوْ وَاوٌ أَوْ يَاءٌ، فَالْمَمْدُودُ فِي الْحَقِيقَةِ حَرْفَانِ. وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْمَدَّةَ قَدْ تَتَّفِقُ لِإِشْبَاعِ الْحَرَكَةِ، وَلَا تُعَدُّ حَرْفًا، وَهَذَا كُلُّهُ يَسِيرٌ فَبِالْكَثِيرِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّنَحْنُحَ وَالضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ) وَلَوْ مِنْ خَوْفِ الْآخِرَةِ (وَالْأَنِينَ) وَالتَّأَوُّهَ (وَالنَّفْخَ) مِنْ الْفَمِ أَوْ الْأَنْفِ (إنْ ظَهَرَ بِهِ) أَيْ: بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ (حَرْفَانِ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (وَإِلَّا فَلَا) تَبْطُلُ لِمَا مَرَّ. وَالثَّالِثُ: لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى كَلَامًا فِي اللُّغَةِ، وَلَا يَكَادُ يَتَبَيَّنُ مِنْهُ حَرْفٌ مُحَقَّقٌ، فَأَشْبَهَ الصَّوْتَ الْغُفْلَ، وَخَرَجَ بِالضَّحِكِ التَّبَسُّمُ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسَّمَ فِيهَا، فَلَمَّا سَلَّمَ: قَالَ: مَرَّ بِي مِيكَائِيلُ فَضَحِكَ لِي فَتَبَسَّمْتُ لَهُ) (وَيُعْذَرُ فِي يَسِيرِ الْكَلَامِ) عُرْفًا (إنْ سَبَقَ لِسَانُهُ) إلَيْهِ: أَيْ: لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ النَّاسِيَ مَعَ قَصْدِهِ الْكَلَامَ مَعْذُورٌ فِيهِ، فَهَذَا أَوْلَى لِعَدَمِ قَصْدِهِ (أَوْ نَسِيَ الصَّلَاةَ) أَيْ: نَسِيَ أَنَّهُ فِيهَا لِلْعُذْرِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَى خَشَبَةً بِالْمَسْجِدِ وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَتَيْنِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ وَهُمْ تَكَلَّمُوا مُجَوِّزِينَ النَّسْخَ ثُمَّ بَنَى هُوَ، وَهُمْ عَلَيْهَا (أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ) أَيْ: الْكَلَامِ فِيهَا (إنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ) أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ، بِخِلَافِ مَنْ بَعُدَ إسْلَامُهُ، وَقَرُبَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْعِلْمِ. قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الذِّمِّيَّ الَّذِي نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ وَإِنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ دِينِنَا. ا هـ. وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ سَلَّمَ إمَامُهُ فَسَلَّمَ مَعَهُ ثُمَّ سَلَّمَ الْإِمَامُ ثَانِيًا، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُومُ: قَدْ سَلَّمْت قَبْلَ هَذَا، فَقَالَ: كُنْت نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ، وَيُنْدَبُ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ، وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ ثِنْتَيْنِ ظَانًّا كَمَالَ صَلَاتِهِ فَكَالْجَاهِلِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ (لَا) فِي (كَثِيرِهِ) فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِيهِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الصُّوَرِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَقْطَعُ نَظْمَ الصَّلَاةِ وَهَيْئَاتِهَا، وَالْقَلِيلُ يُحْتَمَلُ لِقِلَّتِهِ، وَلِأَنَّ السَّبْقَ وَالنِّسْيَانَ فِي كَثِيرٍ نَادِرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّوْمِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ بِالْأَكْلِ الْكَثِيرِ نَاسِيًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مُتَلَبِّسٌ بِهَيْئَةٍ مُذَكِّرَةٍ بِالصَّلَاةِ يَبْعُدُ مَعَهَا النِّسْيَانُ بِخِلَافِ الصَّائِمِ. وَالثَّانِي: يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْعُذْرِ كَمَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْعَمْدِ، وَمَرْجِعُ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إلَى الْعُرْفِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَتَانِ وَنَحْوُهُمَا، وَقِيلَ: مَا يَسَعُ زَمَانَ رَكْعَةٍ، وَصَحَّحَ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي أَنَّ الْكَلَامَ الْكَثِيرَ نَاسِيًا لَا يُبْطِلُ لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ (وَ) يُعْذَرُ (فِي) الْيَسِيرِ عُرْفًا مِنْ (التَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا مَرَّ وَغَيْرِهِ كَالسُّعَالِ وَالْعُطَاسِ، وَإِنْ ظَهَرَ بِهِ حَرْفَانِ، وَلَوْ مِنْ كُلِّ نَفْخَةٍ وَنَحْوِهَا (لِلْغَلَبَةِ) إذْ لَا تَقْصِيرَ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ لِلْجَمِيعِ (وَتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ) الْوَاجِبَةِ، وَكَذَا غَيْرُهَا مِنْ الْأَرْكَانِ الْقَوْلِيَّةِ لِلضَّرُورَةِ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى التَّنَحْنُحِ فَقَطْ. أَمَّا إذَا كَثُرَ التَّنَحْنُحُ وَنَحْوُهُ لِلْغَلَبَةِ كَأَنْ ظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ مِنْ ذَلِكَ وَكَثُرَ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ كَمَا قَالَاهُ فِي الضَّحِكِ وَالسُّعَالِ وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ نَظْمَ الصَّلَاةِ، وَصَوَّبَ الْإِسْنَوِيُّ عَدَمَ الْبُطْلَانِ فِي التَّنَحْنُحِ وَالسُّعَالِ وَالْعُطَاسِ لِلْغَلَبَةِ، وَإِنْ كَثُرَتْ إذْ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا. ا هـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْأَوَّلِ مَا إذَا لَمْ يَصِرْ السُّعَالُ أَوْ نَحْوُهُ مَرَضًا مُلَازِمًا لَهُ. أَمَّا إذَا صَارَ السُّعَالُ وَنَحْوُهُ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ وَنَحْوُهُ بَلْ أَوْلَى (لَا) تَعَذُّرِ (الْجَهْرِ) فَلَا يُعْذَرُ فِي يَسِيرِ التَّنَحْنُحِ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ لَا ضَرُورَةَ إلَى التَّنَحْنُحِ لَهُ، وَفِي مَعْنَى الْجَهْرِ سَائِرُ السُّنَنِ كَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَالْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجَهُ جَوَازُ التَّنَحْنُحِ لِلْجَهْرِ بِأَذْكَارِ الِانْتِقَالَاتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى سَمَاعِ الْمَأْمُومِينَ إذْ لَا يَلْزَمُهُ تَصْحِيحُ صَلَاةِ غَيْرِهِ. فُرُوعٌ: لَوْ جَهِلَ بُطْلَانَهَا بِالتَّنَحْنُحِ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فَمَعْذُورٌ؛ لِخَفَاءِ حُكْمِهِ عَلَى الْعَوَامّ وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ وَجَهِلَ كَوْنَهُ مُبْطِلًا لَمْ يَتَعَذَّرْ كَمَا لَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ شُرْبِ الْخَمْرِ دُونَ إيجَابِهِ الْحَدَّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، إذْ حَقُّهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ الْكَفُّ، وَلَوْ تَكَلَّمَ نَاسِيًا لِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ كَنِسْيَانِ النَّجَاسَةِ عَلَى ثَوْبِهِ صَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَ مَا أَتَى بِهِ مِنْهُ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ جِنْسِ الْكَلَامِ فَمَعْذُورٌ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ، وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ نَاسِيًا ثُمَّ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَيْ: يَسِيرًا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّوْمِ، وَلَوْ تَنَحْنَحَ إمَامُهُ فَبَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ لَمْ يُفَارِقْهُ حَمْلًا عَلَى الْعُذْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَحَرُّزُهُ عَنْ الْمُبْطِلِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِبَادَةِ، وَقَدْ تَدُلُّ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ قَرِينَةُ حَالَ الْإِمَامِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَتَجِبُ الْمُفَارَقَةُ.
المتن وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ بَطَلَتْ فِي الْأَظْهَرِ.
الشرحُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ لَحَنَ فِي الْفَاتِحَةِ لَحْنًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَجَبَ مُفَارَقَتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ وَاجِبًا لَكِنْ هَلْ يُفَارِقُهُ فِي الْحَالِ أَوْ حَتَّى يَرْكَعَ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَحَنَ سَاهِيًا، وَقَدْ يَتَذَكَّرُ فَيُعِيدُ الْفَاتِحَةَ ؟ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ. ا هـ. بَلْ الْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ إمَامَهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ لَمْ تَجِبْ مُفَارَقَتُهُ فِي الْحَالِ (وَلَوْ أُكْرِهَ) الْمُصَلِّي (عَلَى الْكَلَامِ) الْيَسِيرِ فِي صَلَاتِهِ (بَطَلَتْ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ أَمْرٌ نَادِرٌ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْحَدَثِ. وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ كَالنَّاسِي. أَمَّا الْكَثِيرُ فَتَبْطُلُ بِهِ جَزْمًا.
المتن وَلَوْ نَطَقَ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ بِقَصْدِ التَّفْهِيمِ كَيَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ إنْ قَصَدَ مَعَهُ قِرَاءَةً لَمْ تَبْطُلْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ.
الشرحُ (وَلَوْ نَطَقَ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ بِقَصْدِ التَّفْهِيمِ كَيَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ) مُفْهِمًا بِهِ مَنْ يَسْتَأْذِنُ فِي أَخْذِ شَيْءٍ أَنْ يَأْخُذَهُ وَمِثْلُ قَوْلِهِ لِمَنْ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فِي دُخُولٍ (اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ) [الْحِجْرُ]، وَقَوْلُهُ لِمَنْ يَنْهَاهُ عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) [الرُّومُ] إنْ قَصَدَ مَعَهُ أَيْ: التَّفْهِيمِ (قِرَاءَةً لَمْ تَبْطُلْ) لِأَنَّهُ قُرْآنٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَصَدَ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ؛ وَلِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يُصَلِّي فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ الْخَوَارِجِ فَقَالَ: لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَتَلَا عَلِيٌّ {فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} (وَإِلَّا) بِأَنْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا (بَطَلَتْ) بِهِ لِأَنَّهُ فِيهِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ فَلَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ أَرْبَعُ رَسَائِلَ إحْدَاهَا: إذَا قَصَدَ الْقِرَاءَةَ. الثَّانِيَةُ: إذَا قَصَدَ الْقِرَاءَةَ وَالْإِعْلَامَ. الثَّالِثَةُ: إذَا قَصَدَ الْإِعْلَامَ فَقَطْ. الرَّابِعَةُ: أَنْ لَا يَقْصِدَ شَيْئًا. فَفِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لَا تَبْطُلُ، وَفِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ تَبْطُلُ، وَتُفْهَمُ الرَّابِعَةُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِلَّا بَطَلَتْ كَمَا يُفْهَمُ مِنْهُ الثَّالِثَةُ، وَهَذِهِ الرَّابِعَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُحَرَّرُ، وَهِيَ نَفِيسَةٌ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ بَيَانِهَا، وَسَبَقَ مِثْلُهَا فِي قَوْلِ الْمِنْهَاجِ، وَتَحِلُّ أَذْكَارُهُ لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ. ا هـ. وَسُومِحَ فِي أَخْذِ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ مِنْ كَلَامِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ، وَجَعَلَ فِي ذَلِكَ قِسْمَيْنِ وَهُمَا: قَصْدُ الْقِرَاءَةِ مَعَهُ، وَعَدَمُ قَصْدِهَا مَعَهُ، فَلَا يَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ قَصْدُ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ، وَعَدَمُ قَصْدِ شَيْءٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مَا قُصِدَ فِيهِ التَّفْهِيمُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَنْدَرِجَ فِيهِ مَا لَا يُقْصَدُ فِيهِ التَّفْهِيمُ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ يَجْرِي فِي الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ بِالْقُرْآنِ وَالْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ أَوْ التَّسْمِيعِ، فَإِنَّهُ إنْ قَصَدَ الرَّدَّ مَعَ الْقِرَاءَةِ أَوْ الْقِرَاءَةَ فَقَطْ أَوْ قَصَدَ التَّكْبِيرَ أَوْ التَّسْمِيعَ فَقَطْ مَعَ الْإِعْلَامِ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ مَا لَوْ أَتَى بِكَلِمَاتٍ مِنْهُ مُتَوَالِيَةٍ مُفْرَدَاتُهَا فِيهِ دُونَ نَظْمِهَا، كَيَا إبْرَاهِيمُ سَلَامٌ كُنْ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ، فَإِنْ فَرَّقَهَا وَقَصَدَ بِهَا الْقِرَاءَةَ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ. نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ بِهَا الْقِرَاءَةَ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْقِرَاءَةَ بِكُلِّ كَلِمَةٍ عَلَى انْفِرَادِهَا وَإِلَّا لَمْ تَبْطُلْ، وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ، وَإِلَّا فَلَا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ، ظَاهِرٌ ا هـ. وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ: إنَّهُ إنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا مُعْتَقِدًا كَفَرَ، وَلَوْ قَالَ: قَالَ اللَّهُ أَوْ النَّبِيُّ كَذَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَتَبْطُلُ بِمَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ، وَإِنْ لَمْ يُنْسَخْ حُكْمُهُ لَا بِمَنْسُوخِ الْحُكْمِ دُونَ التِّلَاوَةِ.
المتن ، وَلَا تَبْطُلُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ إلَّا أَنْ يُخَاطِبَ كَقَوْلِهِ لِعَاطِسٍ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ.
الشرحُ (، وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ) وَإِنْ لَمْ يُنْدَبَا، وَلَا بِنَذْرٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لِأَنَّهُ مُنَاجَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ النَّذْرِ هَلْ هُوَ قُرْبَةٌ أَوْ لَا إلَّا مَا عَلَّقَ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ أَرَدْت، أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ كَذَا فَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الدُّعَاءُ مُحَرَّمًا، وَيُشْتَرَطُ النُّطْقُ بِذَلِكَ بِالْعَرَبِيَّةِ إنْ كَانَ يُحْسِنُهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِطَابُ مَخْلُوقٍ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ كَمَا قَالَ (إلَّا أَنْ يُخَاطِبَ) بِهِ (كَقَوْلِهِ لِعَاطِسٍ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ) وَنَحْوَ ذَلِكَ كَسُبْحَانَ رَبِّي وَرَبِّكَ، أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَكَ فَتَبْطُلُ بِهِ، وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: دُعَاءٌ فِيهِ خِطَابٌ لِمَا لَا يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ: يَا أَرْضُ رَبِّي، وَرَبُّك اللَّهُ، أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّك، وَشَرِّ مَا فِيك، وَشَرِّ مَا دَبَّ عَلَيْك، وَكَقَوْلِهِ إذَا رَأَى الْهِلَالَ: آمَنْتُ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ. ثَانِيهَا: إذَا أَحَسَّ بِالشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَاطِبَهُ بِقَوْلِهِ أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْكَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ. ثَالِثُهَا: لَوْ خَاطَبَ الْمَيِّتَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ: رَحِمَك اللَّهُ، غَفَرَ اللَّهُ لَك؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ خِطَابًا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْهُ مَيِّتًا لَمْ تَطْلُقْ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْحَدِيثَ الَّذِي وَرَدَ بِأَنَّهُ خَاطَبَ الشَّيْطَانَ بِقَوْلِهِ " أَلْعَنُك بِلَعْنَةِ اللَّهِ " وَقَالَ: إنَّهُ إمَّا مُؤَوَّلٌ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ. ا هـ. أَمَّا خِطَابُ الْخَالِقِ كَ - إيَّاكَ نَعْبُدُ -، وَخِطَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَ " السَّلَامُ عَلَيْكَ " فِي التَّشَهُّدِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ بِذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك أَوْ الصَّلَاةُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نَحْوَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَرْجَحُ بُطْلَانَهَا مِنْ الْعَالِمِ لِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي إلْحَاقِهِ بِمَا فِي التَّشَهُّدِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ خِطَابٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. ا هـ. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ إلْحَاقًا لَهُ بِمَا فِي التَّشَهُّدِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ إجَابَةَ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِهِ كَإِجَابَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ خِطَابَ الْمَلَائِكَةِ وَبَاقِيَ الْأَنْبِيَاءِ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ. ا هـ. وَالْمُقْتَضِي هُوَ الْمُعْتَمِدُ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ إجَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفِعْلِ الْكَثِيرِ كَإِجَابَتِهِ بِالْقَوْلِ، وَلَا تَجِبُ إجَابَةُ الْأَبَوَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، بَلْ تَحْرُمُ فِي الْفَرْضِ وَتَجُوزُ فِي النَّفْلِ، وَالْأَوْلَى الْإِجَابَةُ فِيهِ إنْ شَقَّ عَلَيْهِمَا عَدَمُهَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَتَبْطُلُ بِإِجَابَةِ أَحَدِهِمَا لَا بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ، وَإِنْ بَاعَ بِهَا وَاشْتَرَى. وَلَوْ قَالَ: قَافْ، أَوْ صَادْ، أَوْ نُونْ، فَإِنْ قَصَدَ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ أَوْ الْقُرْآنَ لَمْ تَبْطُلْ، وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرْفِ غَيْرِ الْمُفْهِمِ الَّذِي لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ هُوَ مُسَمَّى الْحَرْفِ لَا اسْمُهُ، وَلَوْ قَرَأَ إمَامُهُ (إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فَقَالَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ تِلَاوَةً أَوْ دُعَاءً كَمَا فِي التَّحْقِيقِ فَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ، أَوْ قَالَ: اسْتَعَنْت بِاَللَّهِ أَوْ اسْتَعَنَّا بِاَللَّهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الثَّنَاءَ أَوْ الذِّكْرَ كَمَا فِي فَتَاوَى شَيْخِي قَالَ: إذْ لَا عِبْرَةَ بِقَصْدِ مَا لَمْ يُفِدْهُ اللَّفْظُ، وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ.
المتن وَلَوْ سَكَتَ طَوِيلًا بِلَا غَرَضٍ لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ.
الشرحُ (وَلَوْ سَكَتَ طَوِيلًا) عَمْدًا فِي غَيْرِ رُكْنٍ قَصِيرٍ (بِلَا غَرَضٍ لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْرُمُ هَيْئَةَ الصَّلَاةِ، وَالثَّانِي تَبْطُلُ لِإِشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا. أَمَّا تَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ، فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَطْوِيلِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ طَوِيلًا عَنْ الْيَسِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ جَزْمًا، وَبِلَا غَرَضٍ عَنْ السُّكُوتِ نَاسِيًا وَلِتَذَكُّرِ شَيْءٍ نَسِيَهُ فَالْأَصَحُّ فِيهِمَا الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ. ا هـ. وَنُظِرَ فِي دَعْوَاهُ الِاحْتِرَازَ بِقَوْلِهِ: بِلَا غَرَضٍ عَنْ النِّسْيَانِ، فَإِنَّ النَّاسِيَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ بِأَنْ سَكَتَ بِلَا غَرَضٍ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مَا قَدَّرْتُهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ.
المتن ، وَيَسُنُّ لِمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ كَتَنْبِيهِ إمَامِهِ، وَإِذْنِهِ لِدَاخِلٍ، وَإِنْذَارِهِ أَعْمَى أَنْ يُسَبِّحَ، وَتُصَفِّقَ الْمَرْأَةُ بِضَرْبِ الْيَمِينِ عَلَى ظَهْرِ الْيَسَارِ.
الشرحُ (، وَيَسُنُّ لِمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ) فِي صَلَاتِهِ (كَتَنْبِيهِ إمَامِهِ) لِنَحْوِ سَهْوٍ (وَإِذْنِهِ لِدَاخِلٍ) اسْتَأْذَنَ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ (وَإِنْذَارِهِ أَعْمَى) مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ فِي مَحْذُورٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَغَافِلٍ وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ، وَمَنْ قَصَدَهُ ظَالِمٌ أَوْ نَحْوُ سَبُعٍ (أَنْ يُسَبِّحَ وَتُصَفِّقَ الْمَرْأَةُ) وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى (بِضَرْبِ) بَطْنِ (الْيَمِينِ عَلَى ظَهْرِ الْيَسَارِ) أَوْ عَكْسِهِ أَوْ بِضَرْبِ ظَهْرِ الْيَمِينِ عَلَى بَطْنِ الْيَسَارِ أَوْ عَكْسِهِ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ تَنَاوَلَهَا قَوْلُ التَّحْقِيقِ تُصَفِّقُ بِظَهْرِ كَفٍّ عَلَى بَطْنِ أُخْرَى وَنَحْوِهِ لَا بَطْنٍ عَلَى بَطْنٍ، فَتَنَاوَلَ كَلَامُهُ أَوَّلًا جَوَازَ الضَّرْبِ بِظَهْرِ الْيُمْنَى عَلَى بَطْنِ الْيُسْرَى، وَبِظَهْرِ الْيُسْرَى عَلَى بَطْنِ الْيُمْنَى، وَقَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ عَكْسُهُمَا، وَهُوَ الضَّرْبُ بِبَطْنِ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ الْيُسْرَى، وَبَطْنِ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ الْيُمْنَى. وَأَمَّا الضَّرْبُ بِبَطْنِ إحْدَاهُمَا عَلَى بَطْنِ الْأُخْرَى فَقَالَ الرَّافِعِيُّ: لَا يَنْبَغِي فَإِنَّهُ لَعِبٌ، وَلَوْ فَعَلَتْهُ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا، فَإِنَّ اللَّعِبَ يُنَافِي الصَّلَاةَ. ا هـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا إذَا فَعَلَتْ فِعْلَةً مِنْ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَصُّوا عَلَى هَذِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ اللَّعِبَ لَا يُقْصَدُ إلَّا بِهَا، وَقَدْ أَفْتَى شَيْخِي فِي شَخْصٍ أَقَامَ أُصْبُعَهُ الْوُسْطَى، وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ لِشَخْصٍ لَاعِبًا مَعَهُ بِأَنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ (مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) وَمِثْلُهُنَّ الْخَنَاثَى كَمَا مَرَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الذِّكْرَ مَعَ التَّفْهِيمِ، فَإِنْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ فَقَطْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ إنَّهَا لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ اسْتِحْبَابَ الْإِنْذَارِ، وَهُوَ تَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا كَإِنْذَارِ الْأَعْمَى، وَتَارَةً يَكُونُ مُسْتَحَبًّا كَتَنْبِيهِ إمَامِهِ إذَا هَمَّ بِتَرْكِ مُسْتَحَبٍّ كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَتَارَةً يَكُونُ مُبَاحًا كَإِذْنِهِ لِدَاخِلٍ. . أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ حُكْمِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّسْبِيحِ وَالتَّصْفِيقِ، وَلَمْ يَرِدْ بَيَانُ حُكْمِ التَّنْبِيهِ، وَعَلَى هَذَا يَفُوتُهُ حُكْمُ التَّنْبِيهِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ ؟، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لِمَنْدُوبٍ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ فِي الْمَتْنِ، وَمُبَاحٌ لِمُبَاحٍ كَالْمِثَالِ الثَّانِي، وَوَاجِبٌ لِوَاجِبٍ كَالْمِثَالِ الثَّالِثِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ، فَلَوْ صَفَّقَ الرَّجُلُ، وَسَبَّحَتْ الْمَرْأَةُ جَازَ، لَكِنْ خَالَفَا السُّنَّةَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ أَطْلَقُوا التَّصْفِيقَ لِلْمَرْأَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَوْضِعَهُ إذَا كَانَتْ بِحَضْرَةِ رِجَالٍ أَجَانِبَ، فَلَوْ كَانَتْ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ أَوْ الرِّجَالِ الْمَحَارِمِ فَإِنَّهَا تُسَبِّحُ كَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ بِحَضْرَتِهِمْ، وَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ وَافَقَهُ شَيْخُنَا عَلَى هَذَا الْبَحْثِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَمْ يَعْزُهُ لَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ تَصْفِيقَ الْمَرْأَةِ لَا يَضُرُّ إذَا كَثُرَ وَتَوَالَى عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّهُ يَضُرُّ. فَإِنْ قِيلَ: دَفْعُ الْمَارِّ إذَا تَوَالَى، وَكَثُرَ يَضُرُّ فَهَلَّا كَانَ هَذَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا فِعْلٌ خَفِيفٌ فَاغْتُفِرَ فِيهِ التَّوَالِي مَعَ الْكَثْرَةِ كَتَحْرِيكِ الْأَصَابِعِ بِسُبْحَةٍ إنْ لَمْ تُحَرِّكْ كَفَّهَا، وَإِلَّا فَكَتَحْرِيكِ الْكَفِّ لِلْجَرَبِ بِجَامِعِ الْحَاجَةِ، وَهُوَ لَا يَضُرُّ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّ تَحْرِيكَ الْكَفِّ كَتَحْرِيكِ الْأَصَابِعِ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْذَارُ الْوَاجِبُ إلَّا بِالْفِعْلِ الْمُبْطِلِ أَوْ بِالْكَلَامِ وَجَبَ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالْأَوَّلِ، وَكَذَا بِالثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بِالصِّحَّةِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِهِ.
المتن وَلَوْ فَعَلَ فِي صَلَاتِهِ غَيْرَهَا إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهَا بَطَلَتْ إلَّا أَنْ يَنْسَى.
الشرحُ (وَلَوْ فَعَلَ فِي صَلَاتِهِ غَيْرَهَا) أَيْ: فَعَلَ فِيهَا غَيْرَ مَا شُرِعَ فِيهَا (إنْ كَانَ) الْمَفْعُولُ (مِنْ جِنْسِهَا) أَيْ: مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِهَا كَزِيَادَةِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ قِيَامٍ وَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُتَابَعَةِ مِنْ الْمَسْبُوقِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِتَلَاعُبِهِ لَكِنْ لَوْ جَلَسَ مِنْ اعْتِدَالِهِ قَدْرَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ ثُمَّ سَجَدَ أَوْ جَلَسَ مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ لِلِاسْتِرَاحَةِ قَبْلَ قِيَامِهِ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِلْسَةَ مَعْهُودَةٌ فِي الصَّلَاةِ غَيْرُ رُكْنٍ بِخِلَافِ نَحْوِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْهَدْ فِيهَا إلَّا رُكْنًا فَكَانَ تَأْثِيرُهُ فِي تَغْيِيرِ نَظْمِهَا أَشَدَّ. نَعَمْ لَوْ انْتَهَى مِنْ قِيَامِهِ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ لِقَتْلِ نَحْوِ حَيَّةٍ لَمْ يَضُرَّ كَمَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ، وَكَذَا لَوْ فَعَلَ مَا ذَكَرَ نَاسِيًا كَمَا قَالَ (إلَّا أَنْ يَنْسَى) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَمْ يُعِدْهَا) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالْجَهْلُ مَعَ قُرْبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ الْبُعْدِ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَالنِّسْيَانِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ: لَوْ فَعَلَ مَا لَا يَقْتَضِي سُجُودَ سَهْوٍ فَظَنَّ أَنَّهُ يَقْتَضِيهِ وَسَجَدَ لَمْ تَبْطُلْ إنَّ كَانَ جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ لِبُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ. أَمَّا مَا فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُتَابَعَةِ لِإِمَامِهِ، فَلَا يَضُرُّ كَأَنْ اقْتَدَى بِمَنْ اعْتَدَلَ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ فِي الزَّائِدِ، وَلَوْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ الْإِمَامِ كَانَ لَهُ الْعَوْدُ ثَانِيًا كَمَا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ، وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ زَادَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ آيَةَ سَجْدَةٍ فَهَوَى لِيَسْجُدَ حَتَّى وَصَلَ لِحَدِّ الرُّكُوعِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَهُ جَازَ كَقِرَاءَةِ بَعْضِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ سَجَدَ عَلَى خَشِنٍ فَرَفَعَ رَأْسَهُ لِئَلَّا تَنْجَرِحَ جَبْهَتُهُ ثُمَّ سَجَدَ ثَانِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ تَحَامَلَ عَلَى الْخَشِنِ بِثُقْلِ رَأْسِهِ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي تَبْطُلُ مُطْلَقًا، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِعْلُ الْقَوْلِ، فَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا غَيْرَ السَّلَامِ أَوْ كَرَّرَهُ عَمْدًا، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ عَلَى النَّصِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي، أَمَّا نَقْلُ السَّلَامِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ.
المتن وَإِلَّا فَتَبْطُلُ بِكَثِيرِهِ، لَا قَلِيلِهِ، وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ، فَالْخُطْوَتَانِ أَوْ الضَّرْبَتَانِ قَلِيلٌ، وَالثَّلَاثُ كَثِيرٌ إنْ تَوَالَتْ، وَتَبْطُلُ بِالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ لَا الْحَرَكَاتِ الْخَفِيفَةِ الْمُتَوَالِيَةِ كَتَحْرِيكِ أَصَابِعِهِ فِي سَبْحَةٍ، أَوْ حَكٍّ فِي الْأَصَحِّ، وَسَهْوُ الْفِعْلِ كَعَمْدِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَتَبْطُلُ بِقَلِيلِ الْأَكْلِ. قُلْتُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرحُ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَفْعُولُ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِهَا كَالْمَشْيِ وَالضَّرْبِ (فَتَبْطُلُ بِكَثِيرِهِ) وَلَوْ سَهْوًا لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ. أَمَّا إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ كَصَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ أَوْ الْمُتَنَفِّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إذَا احْتَاجَ إلَى تَحْرِيكِ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَإِنْ كَثُرَ (لَا قَلِيلِهِ) وَلَوْ عَمْدًا، وَفَارَقَ الْفِعْلُ الْقَوْلَ حَيْثُ اسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ فِي الْإِبْطَالِ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، فَعُفِيَ عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُخِلُّ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ، وَقَدْ ثَبَتَ (أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى، وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ بِنْتِهِ، فَكَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ). نَعَمْ الْأَكْلُ الْقَلِيلُ الْعَمْدُ يُبْطِلُهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا الْفِعْلُ الْقَلِيلُ بِقَصْدِ اللَّعِبِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ (وَالْكَثْرَةُ) وَالْقِلَّةُ (بِالْعُرْفِ) فِي الْأَصَحِّ فَمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ قَلِيلًا كَخَلْعِ الْخُفِّ وَلُبْسِ الثَّوْبِ الْخَفِيفِ وَقَتْلِ قَمْلَةٍ وَدَمُهَا عَفْوٌ فَقَلِيلٌ، نَعَمْ إنْ حَمَلَ جِلْدَ الْقَمْلَةِ الْمَقْتُولَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَمَثَّلَ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ بِقَوْلِ (فَالْخُطْوَتَانِ) الْمُتَوَسِّطَتَانِ (أَوْ الضَّرْبَتَانِ) كَذَلِكَ أَوْ الْإِشَارَةُ بِرَدِّ السَّلَامِ (قَلِيلٌ) لِحَدِيثِ خَلْعِ النَّعْلَيْنِ وَمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ كَثِيرًا مِمَّا ذُكِرَ أَوْ غَيْرِهِ فَكَثِيرٌ، وَقَدْ مَثَّلَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالثَّلَاثُ) مِنْ ذَلِكَ أَوْ غَيْرِهِ (كَثِيرٌ إنْ تَوَالَتْ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْخُطُوَاتِ أَمْ أَجْنَاسٍ كَخُطْوَةٍ وَضَرْبَةٍ وَخَلْعِ نَعْلٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْخُطُوَاتُ الثَّلَاثُ بِقَدْرِ خُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ لَا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. وَقِيلَ: الْقَلِيلُ مَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى كِلْتَا الْيَدَيْنِ، وَالْكَثِيرُ مَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ كَعَقْدِ الْإِزَارِ وَالتَّعَمُّمِ، وَقِيلَ: الْكَثِيرُ مَا يَسَعُ وَقْتُهُ رَكْعَةً، وَالْقَلِيلُ خِلَافُهُ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: إنْ تَوَالَتْ مَا لَوْ أَتَى بِالثَّلَاثِ مُتَفَرِّقَةً بِحَيْثُ تُعَدُّ الثَّانِيَةُ مَثَلًا مُنْقَطِعَةً عَنْ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ مُنْقَطِعَةً عَنْ الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ لِحَدِيثِ حَمْلِ أُمَامَةَ، وَعِنْدَ الْبَغَوِيِّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا قَدْرُ رَكْعَةٍ، وَلَوْ فَعَلَ وَاحِدَةً بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيِّ، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِحَرْفٍ وَنَوَى أَنْ يَأْتِيَ بِحَرْفَيْنِ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَا ؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ تَرَدَّدَ فِي فِعْلٍ فَعَلَهُ هَلْ وَصَلَ إلَى حَدِّ الْكَثْرَةِ أَوْ لَا لَمْ يَضُرَّ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَتَبْطُلُ بِالْوَثْبَةِ) لِمُنَافَاتِهَا لِلصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ (الْفَاحِشَةِ) يُفْهِمُ أَنَّ لَنَا وَثْبَةً غَيْرَ فَاحِشَةٍ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلِذَلِكَ عَدَلَ ابْنُ الْمُقْرِي عَنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ فَحُشَتْ الْفَعْلَةُ كَوَثْبَةٍ بَطَلَتْ (لَا الْحَرَكَاتِ الْخَفِيفَةِ الْمُتَوَالِيَةِ كَتَحْرِيكِ أَصَابِعِهِ) بِلَا حَرَكَةِ كَفِّهِ (فِي سُبْحَةٍ) أَوْ عَقْدٍ أَوْ حَلٍّ (أَوْ حَكٍّ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَتَحْرِيكِ لِسَانِهِ أَوْ أَجْفَانِهِ أَوْ شَفَتَيْهِ أَوْ ذَكَرِهِ مِرَارًا وَلَاءً فَلَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَا يُخِلُّ ذَلِكَ بِهَيْئَةِ الْخُشُوعِ وَالتَّعْظِيمِ فَأَشْبَهَ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ. وَالثَّانِي: تَبْطُلُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ مُتَوَالِيَةٌ فَأَشْبَهَتْ الْخُطُوَاتِ، فَإِنْ حَرَّكَ كَفَّهُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً بَطَلَتْ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ، وَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَصَابِعِ. نَعَمْ إنْ كَانَ بِهِ جَرَبٌ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الصَّبْرِ لَمْ تَبْطُلْ بِتَحْرِيكِ كَفِّهِ ثَلَاثًا وِلَاءً كَمَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي كَافِيهِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ فَتَحَ كِتَابًا، وَفَهِمَ مَا فِيهِ أَوْ قَرَأَ فِي مُصْحَفٍ، وَلَوْ قَلَّبَ أَوْرَاقَهُ أَحْيَانًا لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ أَوْ غَيْرُ مُتَوَالٍ لَا يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ، وَالْقَلِيلُ مِنْ الْفِعْلِ الَّذِي يُبْطِلُ كَثِيرُهُ إذَا تَعَمَّدَهُ بِلَا حَاجَةٍ مَكْرُوهٌ، لَا فِي فِعْلٍ مَنْدُوبٍ كَقَتْلِ نَحْوِ حَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ، فَلَا يُكْرَهُ بَلْ يُنْدَبُ كَمَا مَرَّ.
فَائِدَةٌ: هَلْ الْخُطْوَةُ نَقْلُ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ حَتَّى يَكُونَ نَقْلُ الْأُخْرَى إلَى مُحَاذَاتِهَا خُطْوَةً أُخْرَى، أَوْ نَقْلُ الْأُخْرَى إلَى مُحَاذَاتِهَا دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْخُطْوَةِ ؟ قَالَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: كُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَمَلٌ وَالثَّانِي أَقْرَبُ. أَمَّا نَقْلُ كُلٍّ مِنْ الرِّجْلَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ إلَى التَّقَدُّمِ أَوْ التَّأَخُّرِ إلَى الْأُخْرَى فَخُطْوَتَانِ بِلَا إشْكَالٍ. ا هـ. وَالْمُتَّجَهُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ شَيْخِي، وَهُوَ أَنَّ نَقْلَ الرِّجْلِ الْأُخْرَى خُطْوَةٌ ثَانِيَةٌ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْخُطْوَةَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ. وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَاسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ (وَسَهْوُ الْفِعْلِ) الْمُبْطِلِ لِفُحْشِهِ أَوْ كَثْرَتِهِ (كَعَمْدِهِ) فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) فَيُبْطِلُ كَثِيرُهُ وَفَاحِشُهُ لِنُدُورِ السَّهْوِ؛ وَلِأَنَّهُ يَقْطَعُ نَظْمَ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي، وَاخْتَارَهُ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ كَعَمْدِ قَلِيلِهِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ لِمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَجَهْلُ التَّحْرِيمِ كَالسَّهْوِ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي (وَتَبْطُلُ بِقَلِيلِ الْأَكْلِ) لِشِدَّةِ مُنَافَاتِهِ لَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ بِهِ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الْقَلِيلَةِ، أَمَّا الْكَثِيرُ فَتَبْطُلُ بِهِ قَطْعًا، وَيُرْجَعُ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ إلَى الْعُرْفِ كَمَا مَرَّ وَهَلْ الْمُبْطِلُ الْفِعْلُ أَوْ وُصُولُ الْمُفَطِّرِ جَوْفَهُ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَضْغَ أَيْضًا مِنْ الْأَفْعَالِ (قُلْت: إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا) لِلصَّلَاةِ (أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ) لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ لِبُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا تَبْطُلُ بِقَلِيلِهِ قَطْعًا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ لِلصَّلَاةِ. أَمَّا كَثِيرُهُ فَيُبْطِلُ مَعَ النِّسْيَانِ أَوْ الْجَهْلِ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ مُفَرَّقًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَفَرَّقُوا بِأَنَّ لِلصَّلَاةِ هَيْئَةً مَذْكُورَةً بِخِلَافِهِ، وَهَذَا لَا يَصْلُحُ فَرْقًا فِي جَهْلِ التَّحْرِيمِ، وَالْفَرْقُ الصَّالِحُ لِذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ ذَاتُ أَفْعَالٍ مَنْظُومَةٍ وَالْفِعْلُ الْكَثِيرُ يَقْطَعُ نَظْمَهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ كَفٌّ، وَالْمُكْرَهُ هُنَا كَغَيْرِهِ لِنُدْرَةِ الْإِكْرَاهِ.
المتن فَلَوْ كَانَ بِفَمِهِ سُكَّرَةٌ فَبَلِعَ ذَوْبَهَا بَطَلَتْ فِي الْأَصَحِّ.
الشرحُ (فَلَوْ كَانَ بِفَمِهِ سُكَّرَةٌ) فَذَابَتْ (فَبَلِعَ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا (ذَوْبَهَا) بِمَصٍّ وَنَحْوِهِ لَا بِمَضْغٍ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمُنَافَاتِهِ لِلصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ لِعَدَمِ الْمَضْغِ. ثُمَّ إنَّ الْمَضْغَ مِنْ الْأَفْعَالِ فَتَبْطُلُ بِكَثِيرِهِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْجَوْفِ شَيْءٌ مِنْ الْمَمْضُوغِ.
المتن وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي إلَى جِدَارٍ، أَوْ سَارِيَةٍ، أَوْ عَصًا مَغْرُوزَةٍ، أَوْ بَسَطَ مُصَلًّى، أَوْ خَطَّ قُبَالَتَهُ دَفْعُ الْمَارِّ، وَالصَّحِيحُ تَحْرِيمُ الْمُرُورِ حِينَئِذٍ.
الشرحُ (وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي) أَنْ يَتَوَجَّهَ (إلَى) سُتْرَةٍ نَحْوِ (جِدَارٍ أَوْ سَارِيَةٍ) أَيْ: عَمُودٍ كَخَشَبَةٍ مَبْنِيَّةٍ (أَوْ) إلَى نَحْوِ (عَصًا مَغْرُوزَةٍ) كَمَتَاعٍ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلِخَبَرِ (اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (أَوْ بَسَطَ مُصَلًّى) عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ كَسَجَّادَةٍ بِفَتْحِ السِّينِ (أَوْ خَطَّ قُبَالَتَهُ) عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ خَطًّا طُولًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، رَوَى أَبُو دَاوُد خَبَرَ (إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ أَمَامَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا. ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ) وَقِيسَ بِالْخَطِّ الْمُصَلَّى، وَقُدِّمَ عَلَى الْخَطِّ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ، وَطُولُ الْمَذْكُورَاتِ حَتَّى الْخَطِّ ثُلُثَا ذِرَاعٍ فَأَكْثَرُ تَقْرِيبًا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُصَلِّي ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ. وَإِذَا صَلَّى إلَى شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ سُنَّ لَهُ، وَكَذَا لِغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ تَفَقُّهًا (دَفْعُ الْمَارِّ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَالْمُرَادُ بِالْمُصَلَّى، وَالْخَطِّ مِنْهُمَا أَعْلَاهُمَا: وَذَلِكَ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ (إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ) أَيْ: مَعَهُ شَيْطَانٌ أَوْ هُوَ شَيْطَانُ الْإِنْسِ (وَالصَّحِيحُ تَحْرِيمُ الْمُرُورِ حِينَئِذٍ) وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَارُّ سَبِيلًا آخَرَ لِخَبَرِ (لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي - أَيْ: إلَى السُّتْرَةِ - مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ " إلَّا مِنْ الْإِثْمِ " فَالْبُخَارِيُّ " وَإِلَّا خَرِيفًا " فَالْبَزَّارُ، وَقَضِيَّةُ هَذَا وُجُوبُ الدَّفْعِ، وَقَدْ بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِحُرْمَةِ الْمُرُورِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهَا، وَلَيْسَ كَدَفْعِ الصَّائِلِ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ احْتَجَّ بِخَبَرِ (كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَظْلُومَ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الظَّالِمَ) وَالْمَنْقُولُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَبِهَذَا يُلْغَزُ، وَيُقَالُ لَنَا حَرَامٌ لَا يَجِبُ إنْكَارُهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَكَأَنَّ الصَّارِفَ عَنْ وُجُوبِهِ شِدَّةُ مُنَافَاتِهِ لِمَقْصُودِ الصَّلَاةِ مِنْ الْخُشُوعِ وَالتَّدَبُّرِ، وَأَيْضًا لِلِاخْتِلَافِ فِي تَحْرِيمِهِ، وَالتَّحْرِيمُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَقْصُرْ الْمُصَلِّي بِصَلَاتِهِ فِي الْمَكَانِ، وَإِلَّا كَأَنْ وَقَفَ بِقَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَلَا حُرْمَةَ بَلْ، وَلَا كَرَاهَةَ كَمَا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ، وَبِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَارُّ فُرْجَةً أَمَامَهُ وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ، بَلْ لَهُ خَرْقُ الصُّفُوفِ وَالْمُرُورُ بَيْنَهَا لِيَسُدَّ الْفُرْجَةَ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَفِيهَا لَوْ صَلَّى بِلَا سُتْرَةٍ أَوْ تَبَاعَدَ عَنْهَا: أَيْ: أَوْ لَمْ تَكُنْ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَلَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ لِتَقْصِيرِهِ، وَلَا يَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ. لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فَقَوْلُهُ فِي غَيْرِهَا: " لَكِنْ يُكْرَهُ " مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ غَيْرِ الشَّدِيدَةِ. قَالَ: وَإِذَا صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْعَلَهَا مُقَابِلَةً لِيَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ، وَلَا يَصْمُدُ لَهَا بِضَمِّ الْمِيمِ: أَيْ: وَلَا يَجْعَلُهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَإِذَا دَفَعَ دَفَعَ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ، كَدَفْعِ الصَّائِلِ، فَإِنْ أَدَّى إلَى مَوْتِهِ فَهَدَرٌ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَيَدْفَعُهُ بِيَدِهِ وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي مَكَانِهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الشَّيْءِ أَشَدُّ مِنْ الْمُرُورِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الْخَطْوَةَ أَوْ الْخَطْوَتَيْنِ حَرَامٌ وَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ لَهُمَا الصَّلَاةُ، وَلَيْسَ مُرَادًا: أَيْ لَا يَحِلُّ حِلًّا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ فَيُكْرَهُ وَلَوْ دَفَعَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّصْفِيقِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْحَافِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الصَّلَاةِ إلَى مَا ذَكَرَ مِنْ جِدَارٍ وَمَا بَعْدَهُ، وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ الشَّاخِصَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ طُولَ السُّتْرَةِ وَلَا قَدْرَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ.
فَائِدَةٌ: لَوْ وَضَعَ سُتْرَةً فَأَزَالَهَا الرِّيحُ أَوْ غَيْرُهَا فَمَنْ عَلِمَ فَمُرُورُهُ كَمُرُورِهِ مَعَ وُجُودِ السُّتْرَةِ دُونَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَوْ صَلَّى بِلَا سُتْرَةٍ فَوَضَعَهَا لَهُ شَخْصٌ آخَرُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ تَحْرِيمُ الْمُرُورِ حِينَئِذٍ نَظَرًا لِوُجُودِهَا لَا لِتَقْصِيرِ الْمُصَلِّي. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ يَسْتَقْبِلُهُ وَيَرَاهُ ا هـ. وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِمُرُورِ شَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ كَامْرَأَةٍ وَكَلْبٍ وَحِمَارٍ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ (يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ) فَالْمُرَادُ مِنْهُ قَطْعُ الْخُشُوعِ لِلشَّغْلِ بِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَعْضَ الصُّفُوفِ لَا يَكُونُ سُتْرَةً لِبَعْضِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ.
المتن قُلْت: يُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ لَا لِحَاجَةٍ.
الشرحُ (قُلْت: يُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ) فِي الصَّلَاةِ بِوَجْهِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَإِنَّهُ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ كَمَا صَحَّ فِي الْبُخَارِيِّ وَلِمُنَافَاتِهِ الْخُشُوعَ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ (لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ) وَلِهَذَا قَالَ الْمُتَوَلِّي بِحُرْمَتِهِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْخَبَرِ حَرُمَ بَلْ تَبْطُلُ إنْ فَعَلَهُ لَعِبًا ا هـ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ كَمَا قَالَ (لَا لِحَاجَةٍ) فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ فِي سَفَرٍ فَأَرْسَلَ فَارِسًا إلَى شِعْبٍ مِنْ أَجْلِ الْحَرْسِ فَجَعَلَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إلَى الشِّعْبِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. أَمَّا صَدْرُهُ، فَإِنْ حَوَّلَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا عُلِمَ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِقْبَالِ، وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ اللَّمْحُ بِالْعَيْنِ دُونَ الِالْتِفَاتِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، فَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ قَالَ: (قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ فَلَمَحَ بِمُؤَخَّرِ عَيْنِهِ رَجُلًا لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَقَالَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ) .
المتن وَرَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ
الشرحُ (وَ) يُكْرَهُ (رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ، فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ) وَلِذَلِكَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْوَجْهُ تَحْرِيمُهُ عَلَى الْعَامِدِ الْعَالِمِ بِالنَّهْيِ الْمُسْتَحْضِرِ لَهُ ا هـ. وَرُوِيَ (أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَلَّى رَفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ، فَنَزَلَ: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) الْمُؤْمِنُونَ: فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَيُكْرَهُ نَظَرُ مَا يُلْهِي عَنْ الصَّلَاةِ كَثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ لِخَبَرِ عَائِشَةَ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ ذَاتُ أَعْلَامٍ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: أَلْهَتْنِي هَذِهِ اذْهَبُوا بِهَا إلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّتِهِ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
المتن وَكَفُّ شَعْرِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ وَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى فَمِهِ بِلَا حَاجَةٍ، وَالْقِيَامُ عَلَى رِجْلٍ، وَالصَّلَاةُ حَاقِنًا أَوْ حَاقِبًا، أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ يَتُوقُ إلَيْهِ.
الشرحُ (وَ) يُكْرَهُ (كَفُّ شَعْرِهِ أَوْ ثَوْبِهِ) لِحَدِيثِ (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ وَلَا أَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعْرًا) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ. وَمِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يُصَلِّيَ وَشَعْرُهُ مَعْقُوصٌ أَوْ مَرْدُودٌ تَحْتَ عِمَامَتِهِ أَوْ ثَوْبُهُ أَوْ كُمُّهُ مُشَمَّرٌ، وَمِنْهُ شَدُّ الْوَسَطِ وَغَرْزُ الْعَذَبَةِ. وَالْمَعْنَى فِي النَّهْيِ عَنْ كَفِّ ذَلِكَ أَنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ، وَلِذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ، وَفِي إبْهَامِهِ الْجِلْدَةُ الَّتِي يَجُرُّ بِهَا وَتَرَ الْقَوْسِ. قَالَ: لِأَنِّي آمُرُهُ أَنْ يُفْضِيَ بِبُطُونِ كَفَّيْهِ إلَى الْأَرْضِ (وَ) يُكْرَهُ (وَضْعُ يَدِهِ عَلَى فَمِهِ) لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ وَلِمُنَافَاتِهِ لِهَيْئَةِ الْخُشُوعِ (بِلَا حَاجَةٍ) فَإِنْ كَانَ لَهَا كَمَا إذَا تَثَاءَبَ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَضْعُهَا لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضَعُ الْيُسْرَى لِأَنَّهَا لِتَنْحِيَةِ الْأَذَى. وَيُكْرَهُ التَّثَاؤُبُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ (إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَالَ هَا هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُكْرَهُ التَّثَاؤُبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَيُكْرَهُ النَّفْخُ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَمَسْحُ الْحَصَى وَنَحْوِهِ حَيْثُ يَسْجُدُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ (لَا تَمْسَحْ الْحَصَى وَأَنْتَ تُصَلِّي، فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً تَسْوِيَةً لِلْحَصَى) وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ التَّوَاضُعَ وَالْخُشُوعَ (وَ) يُكْرَهُ (الْقِيَامُ عَلَى رِجْلٍ) وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ يُنَافِي الْخُشُوعَ إلَّا إنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَوَجَعِ الْأُخْرَى فَلَا كَرَاهَةَ (وَ) تُكْرَهُ (الصَّلَاةُ حَاقِنًا) بِالنُّونِ: أَيْ مُدَافِعًا لِلْبَوْلِ (أَوْ حَاقِبًا) بِالْمُوَحَّدَةِ: أَيْ مُدَافِعًا لِلْغَائِطِ أَوْ حَازِقًا بِالْقَافِ، وَهُوَ مُدَافِعُ الرِّيحِ، أَوْ حَاقِنًا بِهِمَا، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَرِّغَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا، وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ، وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا انْتَهَى بِهِ مُدَافَعَةُ الْأَخْبَثَيْنِ إلَى أَنْ ذَهَبَ خُشُوعُهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ (أَوْ بِحَضْرَةِ) - بِتَثْلِيثِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - (طَعَامٍ) مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ (يَتُوقُ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ: أَيْ يَشْتَاقُ (إلَيْهِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ (لَا صَلَاةَ - أَيْ كَامِلَةٌ - بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ) بِالْمُثَلَّثَةِ: أَيْ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ، وَالشُّرْبُ كَالْأَكْلِ وَتَوَقَانُ النَّفْسِ فِي غَيْبَةِ الطَّعَامِ كَحُضُورِهِ قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ إنْ كَانَ يُرْجَى حُضُورُهُ عَنْ قُرْبٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ بَلْ قِيلَ: إنَّ غَيْبَةَ الطَّعَامِ لَيْسَتْ كَحُضُورِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ حُضُورَهُ يُوجِبُ زِيَادَةَ تَشَوُّقٍ وَتَطَلُّعٍ إلَيْهِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِتَوَقَانٍ يُفْهِمُ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْكُلُ مَا يَنْكَسِرُ بِهِ التَّوَقَانُ، وَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الْأَعْذَارِ الْمُرَخِّصَةِ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَأْكُلَ حَاجَتَهُ بِكَمَالِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ.
المتن وَأَنْ يَبْصُقَ قِبَلَ وَجْهِهِ، أَوْ عَنْ يَمِينِهِ
الشرحُ (وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يَبْصُقَ قِبَلَ وَجْهِهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ (إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ) زَادَ الْبُخَارِيُّ (فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ) وَيُكْرَهُ الْبُصَاقُ عَنْ يَمِينِهِ وَأَمَامَهُ وَهُوَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ مِنْ أَنَّهُ مُبَاحٌ، لَكِنْ مَحَلُّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَمَامَهُ إذَا كَانَ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ إكْرَامًا لَهَا.
فَائِدَةٌ: رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: " مَا بَزَقْتُ عَنْ يَمِينِي مُنْذُ أَسْلَمْتُ " قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْبُصَاقِ عَنْ يَمِينِهِ مَا إذَا كَانَ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ بُصَاقَهُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ ا هـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْقَبْرُ الشَّرِيفُ عَنْ يَسَارِهِ. فَإِنْ قِيلَ عَنْ يَسَارِهِ مَلَكٌ آخَرُ فَمَا وِجْهَةُ اخْتِصَاصِ الْمَنْعِ بِمَا ذَكَرَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ أُمُّ الْحَسَنَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَلَا دَخْلَ لِكَاتِبِ السَّيِّئَاتِ فِيهَا، فَفِي الطَّبَرَانِيِّ " فَإِنَّهُ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى وَمَلَكُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَقَرِينُهُ عَنْ يَسَارِهِ " فَالْبُصَاقُ حِينَئِذٍ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْقَرِينِ وَهُوَ الشَّيْطَانُ، وَلَعَلَّ مَلَكَ الْيَسَارِ حِينَئِذٍ يَكُونُ بِحَيْثُ لَا يُصِيبُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، هَذَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَلَا يَبْصُقُ فِيهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ، وَيَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَى فَاعِلِهِ وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّ الْمَشْهُورَ الْكَرَاهَةُ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ (الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا) أَيْ وَلَوْ فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ: بَلْ يَبْصُقُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ فِي جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ كَكُمِّهِ. وَبَصَقَ وَبَزَقَ لُغَتَانِ بِمَعْنًى، وَمَنْ رَأَى بُصَاقًا أَوْ نَحْوَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُزِيلَهُ وَأَنْ يُطَيِّبَ مَحَلَّهُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَاذَا لَمْ تَجِبْ الْإِزَالَةُ لِأَنَّ الْبُصَاقَ فِيهِ حَرَامٌ كَمَا مَرَّ؟. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي تَحْرِيمِهِ كَمَا قَالُوهُ فِي دَفْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي كَمَا مَرَّ.
المتن وَ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ.
الشرحُ (وَ) يُكْرَهُ (وَضْعُ يَدِهِ) أَيْ الْمُصَلِّي ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (عَلَى خَاصِرَتِهِ) لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ لِلنَّهْيِ عَنْهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ (الِاخْتِصَارُ فِي الصَّلَاةِ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ). قَالَ ابْنُ حِبَّانَ يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ الِاخْتِصَارِ عَلَى أَقْوَالٍ: أَصَحُّهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَتَوَكَّأَ عَلَى عَصًا. وَالثَّالِثُ: يَخْتَصِرُ السُّورَةَ فَيَقْرَأُ آخِرَهَا. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَخْتَصِرَ صَلَاتَهُ فَلَا يُتِمَّ حُدُودَهَا. وَالْخَامِسُ: أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ وَيَسْجُدَ فِيهَا. وَالسَّادِسُ: أَنْ يَخْتَصِرَ السَّجْدَةَ إذَا انْتَهَى فِي قِرَاءَتِهِ إلَيْهَا وَلَا يَسْجُدُهَا. وَعَلَى الْأَوَّلِ اُخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ، فَقِيلَ: لِأَنَّهُ فِعْلُ الْكُفَّارِ، وَقِيلَ: فِعْلُ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَقِيلَ: فِعْلُ الشَّيْطَانِ. وَحُكِيَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَنَّ إبْلِيسَ هَبَطَ مِنْ الْجَنَّةِ كَذَلِكَ. وَيُكْرَهُ أَنْ يُرَوِّحَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنْ يُفَرْقِعَ أَصَابِعَهُ أَوْ يُشَبِّكَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ عَبَثٌ، وَأَنْ يَمْسَحَ وَجْهَهُ فِيهَا وَقَبْلَ الِانْصِرَافِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ غُبَارٍ وَنَحْوِهِ.
المتن وَالْمُبَالَغَةُ فِي خَفْضِ الرَّأْسِ فِي رُكُوعِهِ، وَالصَّلَاةُ فِي الْحَمَّامِ، وَالطَّرِيقِ، وَالْمَزْبَلَةِ، وَالْكَنِيسَةِ، وَعَطَنِ الْإِبِلِ وَالْمَقْبَرَةِ الطَّاهِرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرحُ (وَ) تُكْرَهُ (الْمُبَالَغَةُ فِي خَفْضِ الرَّأْسِ) عَنْ الظَّهْرِ (فِي رُكُوعِهِ) لِمُجَاوَزَتِهِ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ: أَيْ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ: أَيْ لَمْ يَخْفِضْهُ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ خَفْضَ الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَ) تُكْرَهُ (الصَّلَاةُ فِي) الْأَسْوَاقِ، وَالرِّحَابِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْمَسْجِدِ قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ. قَالَ: وَكَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ يَضْرِبُ النَّاسَ وَيُقِيمُ مِنْ الرِّحَابِ، وَفِي (الْحَمَّامِ) وَلَوْ فِي مَسْلَخِهِ لِحَدِيثِ صَحِيحٍ أَسْنَدَهُ ابْنُ حِبَّانَ (الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ) . وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ عَلَى أَقْوَالٍ: أَصَحُّهَا لِأَنَّهُ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ، وَقِيلَ خَوْفُ النَّجَاسَةِ، وَقِيلَ: لِاشْتِغَالِ الْمُصَلِّي بِدُخُولِ النَّاسِ، وَقِيلَ، غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَمِيمِ وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ (وَ) فِي (الطَّرِيقِ) لِلنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَهِيَ أَعْلَاهُ، وَقِيلَ: صَدْرُهُ، وَقِيلَ مَا بَرَزَ مِنْهُ وَالْكُلُّ مُتَقَارِبٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا نَفْسُ الطَّرِيقِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فَلِهَذَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالْبَرِّيَّةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْكِفَايَةِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ مِنْ الْكَرَاهَةِ فِي الْبُنْيَانِ دُونَ الْبَرِّيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ: إنَّ الصَّلَاةَ فِي الشَّوَارِعِ بَاطِلَةٌ بِنَاءً عَلَى تَغْلِيبِ الْغَالِبِ الظَّاهِرِ عَلَى الْأَصْلِ. (وَ) فِي (الْمَزْبَلَةِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا مَوْضِعُ الزِّبْلِ وَنَحْوِهِ كَالْمَجْزَرَةِ، وَهِيَ مَوْضِعُ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا بَسَطَ طَاهِرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ مُصَلٍّ عَلَى نَجَاسَةٍ، وَإِنَّمَا تُكْرَهُ عَلَى الْحَائِلِ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مُحَقَّقَةً، فَإِنْ بَسَطَهُ عَلَى مَا غَلَبَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ لَمْ تُكْرَهْ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ ذَلِكَ بِالْحَائِلِ (وَ) فِي (الْكَنِيسَةِ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْكَافِ مَعْبَدُ النَّصَارَى، وَفِي الْبِيعَةِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهِيَ مَعْبَدُ الْيَهُودِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَمَاكِنِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهَا مَأْوَى الشَّيَاطِينِ، نَعَمْ لَوْ مَنَعْنَا أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ دُخُولِ أَمَاكِنِهِمْ حَرُمَ عَلَيْنَا دُخُولُهَا (وَ) فِي (عَطَنِ الْإِبِلِ) وَلَوْ طَاهِرًا وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَحَّى إلَيْهِ الْإِبِلُ الشَّارِبَةُ لِيَشْرَبَ غَيْرُهَا، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ سِيقَتْ مِنْهُ إلَى الْمَرْعَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَلِنِفَارِهَا الْمُشَوِّشِ لِلْخُشُوعِ، وَالْمَرَابِضُ الْمَرَاقِدُ فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ بِأَنَّ خَوْفَ نِفَارِ الْإِبِلِ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ بِخِلَافِ الْغَنَمِ، وَلَا تَخْتَصُّ الْكَرَاهَةُ بِالْعَطَنِ، بَلْ مَأْوَاهَا وَمَقِيلُهَا وَمَبَارِكُهَا، بَلْ مَوَاضِعُهَا كُلُّهَا كَذَلِكَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْكَرَاهَةُ فِي الْعَطَنِ أَشَدُّ مِنْ مَأْوَاهَا؛ لِأَنَّ نِفَارَهَا فِي الْعَطَنِ أَكْثَرُ لِازْدِحَامِهَا ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَالْبَقَرُ كَالْغَنَمِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَمَاكِنَ الْمَوَاشِي مُطْلَقًا إنَّ تَنَجَّسَتْ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهَا بِلَا حَائِلٍ، وَتَصِحُّ بِالْحَائِلِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ فِي مَوْضِع الْغَنَمِ وَنَحْوهَا لِمُحَاذَاةِ النَّجَاسَةِ كَمَا مَرَّ، وَفِي مَوْضِعِ الْإِبِلِ لِذَلِكَ وَلِمَا مَرَّ (وَ) فِي (الْمَقْبَرَةِ) بِتَثْلِيثِ الْمُوَحَّدَةِ (الطَّاهِرَةِ) وَهِيَ الَّتِي لَمْ تُنْبَشْ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) (لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الْحَمَّامِ، وَفِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ بَيْتِ اللَّهِ الْعَتِيقِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلِنَجَاسَةِ مَا تَحْتَهَا بِالصَّدِيدِ، وَإِنَّمَا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ فَوْقَ الْبَيْتِ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ. أَمَّا الْمَنْبُوشَةُ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا بِغَيْرِ حَائِلٍ وَمَعَهُ تُكْرَهُ، وَاسْتَثْنَى كَمَا فِي التَّوْشِيحِ لِابْنِ السُّبْكِيّ مَقَابِرَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَيْ إذَا كَانَتْ أَرْضًا لَيْسَ فِيهَا مَدْفُونٌ إلَّا نَبِيٌّ أَوْ أَنْبِيَاءٌ فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَهُمْ، وَإِنَّمَا هُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنْ تَكُونَ مَقَابِرُ شُهَدَاءِ الْمَعْرَكَةِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ، وَاعْتَرَضَ الزَّرْكَشِيُّ كَلَامَ ابْنِ السُّبْكِيّ بِأَنَّ تَجْوِيزَ الصَّلَاةِ فِي مَقْبَرَةِ الْأَنْبِيَاءِ ذَرِيعَةٌ إلَى اتِّخَاذِهَا مَسْجِدًا، وَجَاءَ النَّهْيُ عَنْ اتِّخَاذِ مَقَابِرِ الْأَنْبِيَاءِ مَسَاجِدَ، وَسَدُّ الذَّرَائِعِ مَطْلُوبٌ ا هـ. وَلَيْسَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ بِظَاهِرٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي مَأْوَى الشَّيَاطِينِ، كَالْخَمَّارَةِ وَمَوْضِعِ الْمَكْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي الْفَاحِشَةِ، وَفِي الْوَادِي الَّذِي نَامَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْدِيَةِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ - تَبَعًا لِلْإِمَامِ - وَالْغَزَالِيِّ الْكَرَاهَةَ فِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ مُطْلَقًا وَعَلَّلُوهُ بِاحْتِمَالِ السَّيْلِ الْمُذْهِبِ لِلْخُشُوعِ، وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقَبْرِ فِي الصَّلَاةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ (لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا) نَعَمْ يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَيُقَاسُ بِهِ سَائِرُ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ.
فَائِدَةٌ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ إلَّا الشِّيعَةَ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الصُّوفِ وَفِيهِ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ تَنْزِيهًا، وَقَالَتْ الشِّيعَةُ: وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ.
خَاتِمَةٌ: فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ يَحْرُمُ تَمْكِينُ الصِّبْيَانِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِينَ وَالْمَجَانِينِ، وَالْبَهَائِمِ، وَالْحُيَّضِ، وَنَحْوِهِنَّ، وَالسَّكْرَانِ مِنْ دُخُولِهِ إنْ غَلَبَ تَنْجِيسُهُمْ لَهُ، وَإِلَّا كُرِهَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشَّهَادَاتِ، وَكَذَا يَحْرُمُ دُخُولُ الْكَافِرِ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ مُسْلِمٍ. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: مُكَلَّفٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَلَى الْكَافِرِ فِي عَهْدِهِ عَدَمَ الدُّخُولِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَوْ قَعَدَ قَاضٍ لِلْحُكْمِ فِيهِ، وَكَانَ لَهُ حُكُومَةٌ جَازَ لَهُ الدُّخُولُ وَلَوْ كَانَ جُنُبًا لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ الْإِذْنُ لَهُ فِيهِ لِسَمَاعِ قُرْآنٍ وَنَحْوِهِ، كَفِقْهٍ وَحَدِيثٍ رَجَاءَ إسْلَامِهِ، لَا لِأَكْلٍ وَنَوْمٍ فِيهِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِذْنُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ عَدَمُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي تَحْرِيمُهُ وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّ فِي دُخُولِهِ حَرَمَ مَكَّةَ تَفْصِيلًا يَأْتِي فِي الْجِزْيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيُكْرَهُ نَقْشُ الْمَسْجِدِ وَاِتِّخَاذُ الشُّرَافَاتِ لَهُ، بَلْ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رَيْعِ مَا وُقِفَ عَلَى عِمَارَتِهِ فَحَرَامٌ. وَيُكْرَهُ دُخُولٌ بِلَا ضَرُورَةٍ لِمَنْ أَكَلَ مَا لَهُ رِيحٌ كَرِيهٌ كَثُومٍ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ، وَحَفْرُ بِئْرٍ، وَغَرْسُ شَجَرٍ فِيهِ بَلْ إنْ حَصَلَ بِذَلِكَ ضَرَرٌ حَرُمَ، وَعَمَلُ صِنَاعَةٍ فِيهِ إنْ كَثُرَ، هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ خَسِيسَةً تُزْرِي بِالْمَسْجِدِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ حَانُوتًا يُقْصَدُ فِيهِ بِالْعَمَلِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَا بَأْسَ بِإِغْلَاقِهِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ صِيَانَةً لَهُ وَحِفْظًا لِمَا فِيهِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إذَا خِيفَ امْتِهَانُهُ وَضَيَاعُ مَا فِيهِ وَلَمْ تَدْعُ حَاجَةٌ إلَى فَتْحِهِ، وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ عَدَمُ إغْلَاقِهِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ مُسَبَّلٌ لِلشُّرْبِ لَمْ يَجُزْ غَلْقُهُ وَمَنْعُ النَّاسِ مِنْ الشُّرْبِ، وَلَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ وَالْوُضُوءِ وَالْأَكْلِ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَأَذَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ النَّاسُ، وَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ مِنْ تَحْرِيمِ نَضْحِ الْمَسْجِدِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ: ضَعِيفٌ. قَالَ: وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ كَمَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِيهِ مَعَ أَنَّ مَاءَهُ مُسْتَعْمَلٌ. ا هـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ فَرَّقَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ الْوُضُوءَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ النَّضْحِ بِالْمُسْتَعْمَلِ وَبِأَنَّ تَلْوِيثَهُ يَحْصُلُ فِي الْوُضُوءِ ضِمْنًا بِخِلَافِهِ فِي النَّضْحِ وَالشَّيْءُ يُغْتَفَرُ ضِمْنًا مَا لَا يُغْتَفَرُ مَقْصُودًا، وَالْبُصَاقُ فِيهِ حَرَامٌ وَكَفَّارَتُهُ دَفْنُهُ كَمَا مَرَّ، وَلِحَائِطِهِ مِثْلُ حُرْمَتِهِ فَيَحْرُمُ الْبُصَاقُ عَلَيْهَا لَا فِي هَوَائِهِ، فَلَوْ رَمَى نُخَامَةً مَنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ إلَى خَارِجِهِ لَمْ يَحْرُمْ، وَيُسَنُّ أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى دُخُولًا وَالْيُسْرَى خُرُوجًا، وَأَنْ يَقُولَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك، ثُمَّ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَيَدْخُلُ، وَكَذَا يَقُولُ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ أَبْوَابَ فَضْلِكَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ طَالَ عَلَيْهِ هَذَا فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ (أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ) وَتُكْرَهُ الْخُصُومَةُ وَرَفْعُ الصَّوْتِ وَنَشْدُ الضَّالَّةِ فِيهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى السَّائِلُ فِيهِ شَيْئًا، وَلَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ فِيهِ إذَا كَانَ مَدْحًا لِلنُّبُوَّةِ أَوْ لِلْإِسْلَامِ، أَوْ كَانَ حِكْمَةً أَوْ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَوْ الزُّهْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
|